الجماعة.. بـ(صنعة لطافة). كتب عبدالله كمال
ليس
من الممكن الحكم علي عمل تليفزيوني يفترض أن يمتد عرضه 30 يوماً، بعد
أربعة أيام من بدء بثه، وحتي الآن لم يكتمل تصويره.. لكن من الواجب أن
نقدم في هذا الوقت المبكر التحية المخلصة لصناع العمل الدرامي الرائد
(الجماعة).. وعلي رأسهم المؤلف وحيد حامد.. في حين يتعرضون لحملة شرسة من
(الجماعة) التي يتناولها هذا المسلسل الفريد. التشويه، والتحريض، بل التهديدات، إنما هي تصرفات من (الجماعة) تؤكد ماجاء
في (الجماعة).. إذ من الواضح أن (المسلسل) قد عكس بصورة مدهشة واقع
(التنظيم) الذي يمثل وبالاً علي مصر.. منذ ساعد الإنجليز علي تأسيس هذا
التطرف في بلد احتلوه قبل 82 عاماً.. عبر تمويل شركة قناة السويس لنشاط
حسن البنا في مدينة الإسماعيلية عام 1928. يشن الإخوان علي وحيد حامد هجوماً ضارياً، ويسبونه في أخلاقه وإخلاصه،
وهذا طبيعي.. وربما لهذا السبب وعشرات غيره هم ضد الفن.. لأن الإبداع رئة
تدفع بالهواء النقي إلي عقل المجتمع.. وصدر مفتوح علي العصرية التي يفرون
منها.. ودماء نقية تتدفق من خلالها قيم التنوير الذي لا يريدون له إلا أن
يدفنه الظلام. إن وحيد حامد ليس في حاجة إلي تعضيد.. فنه خير سند له.. لكن دعم فنه
وتحفيز إبداعه والإشادة بما يقدم واجب وطني.. حماية للحرية من أعدائها..
وصونا للوطن ممن يريدون أن يفترسوه بخداعهم.. وأنا أنتظر من الجريدة التي
يكتب فيها وحيد حامد مقالاته.. أي الشروق.. أن تعلن موقفاً واضحا مما
يتعرض له.. في ضوء ارتباطاتها الإخوانية. العمل لم يكتمل.. لكنه يعبر عن مضمونه من الحلقات الأولي. ولا شك أن فريقه
قد تجسدت فيه روح الإحساس بتاريخية ما يقدم.. فبدا الإخراج الذي يقوم به
الفنان محمد ياسين غير مسبوق في الدراما التليفزيونية.. ولاحظ الجميع كيف
يولي المنتج كامل أبوعلي هذا الإبداع رعاية عظيمة وتمويلاً مغدقاً.. ناهيك
عن مهندس المناظر الرائع أنسي أبويوسف والموسيقي الموحية للفنان الكبير
عمر خيرت.. إنهم فصيل من نخبة هذا البلد الذي لا يمكن أن ترحب به جماعة
الإخوان. أهم ما يميز هذا المسلسل هو أنه قدم بـ(صنعة لطافة) لا هو زاعق.. و لا هو
يصرخ.. يتحلي بالموضوعية.. ويتسلح بالمعلومات الدقيقة.. ولا يتخلي عن
النقد الواجب لظروف أدت إلي تغلغل الإخوان بين الفقراء والمخدوعين.. وليس
أنجع من مسلسل تليفزيوني في بلد يعشق الدراما والحكي عند المساء لكي تنكشف
الحقيقة.. وتنتشر بين الناس.. وهو ما يدرك الإخوان خطورته بالتأكيد. سوف يقول بعض المتنطعين، وهذه دعاية إخوانية دون أن يدروا، إن المسلسل
يرسخ وجود الجماعة ويعترف بها.. هذا كلام أسمعه كلما ثارت مناقشة إعلامية
أو صحفية لأفكار الإخوان.. والجماعة تؤكد أن هذا الكلام فارغ.. ببساطة
لأنها ترتعد من المسلسل.. وتهاجم مؤلفه.. وتشن حرباً علي العمل.. وتشوهه
فوق المنابر.. كيف يمكن أن نخفي علي مريض أنه مصاب بالسرطان ونظن أن هذا
الإخفاء سوف يشفيه؟ قيل هذا من قبل حين ناقش التليفزيون موضوعات الإخوان في عام 2006 في
برامجه الحوارية، خاصة برنامج (حاله حوار) لعمرو عبدالسميع، وقيل إن هذا
دعاية للجماعة، وقيل كذلك حين ناقشنا في «روزاليوسف» مراراً ما يخص تطرف
الإخوان وكشف زيفهم، وفيما مضي كان مأمون الهضيبي - رحمه الله - يدعي أن
مانقدمه في «روزاليوسف» من رؤية نقدية لفكر الإخوان المتطرف إنما يأتي من
سعي منا للبحث عن توزيع أفضل بحكم أن أي بضاعة فيها كلمة إخوان تباع بين
الناس وتثير جاذبيتهم.. وكان هذا كلام يستهدف أن نتوقف ولم نتوقف. الزيف له نهاية.. وإذا كان المثقفون يعرفون حقائق الإخوان فإن المسلسل
يجعل الحقيقة منتشرة علي نطاق واسع.. خصوصاً أنه عمل مخلص ومنظم وعميق..
وليس ذلك جديداً علي وحيد حامد الذي خاض من قبل غمار الحرب ضد التطرف
بأساليب متنوعة.. وأفلام مختلفة. إن علي التليفزيون أن يفكر من الآن في إعادة فورية لهذا العمل المهم
والتاريخي، علي المستويين الفني والسياسي.. فضلاً عن المستوي الثقافي،
بعيداً عن زحام المشاهدة الرمضانية.. إذ علي الرغم من المتابعة الجماهيرية
الكبيرة للعمل والتي يلحظها الجميع.. فإنه يحتاج إلي عرضه للمشاهد بعيداً
عن الصخب.. وسوف يكون هذا التحدي مفروضاً علي القنوات الخاصة.. لاسيما تلك
التي تزعم أنها ليبرالية.. إذ لم تجرؤ سوي قناة (القاهرة والناس) علي أن
ترصع به شاشتها إلي جانب قنوات التليفزيون القومي.