كل عام قبل خمسة عشرة يوما من يومنا هذا كانت حملة الإعلان عن حجوزات المصايف تجتاح الهيئات والمصالح والمؤسسات والأندية والبنوك والمدارس الحكومية والخاصة فضلا عن النقابات والاتحادات المهنية وغيرها، ولا تمر سوى أيام قلائل حتى تكون تلك الحجوزات التي تغطي أفواجها شهور يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/ايلول قد انتهت، هذا بخلاف هؤلاء وأولئك الذين يفضلون السفر مستقلين بعيدا عن ضجيج الاختلاط بزملاء العمل بحثا عن الاستجمام والراحة وخصوصية أسرهم.
هذا العام لا شيء من هذا القبيل وحين تبادر بالسؤال عن المصيف سواء داخل أماكن العمل أو في الأندية أو حتى في الجلسات الأسرية العادية، تتراءى لك في الوجوه علامات الدهشة والاستفهام والاستنكار، كأنه سقط من الذاكرة، كأنه صار شيئا منكرا، كأن حالهم يقول "احنا في ايه ولا إيه"، في إشارة إلى ما يجري في مصر.
في ظل هموم المستقبل بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وما يجري في الواقع من حالات الانفلات الأمني وارتفاع الأسعار وتخوف من نقص السلع الغذائية الأساسية، يبدو أن المصريين نسوا أو يحاولون نسيان إجازة المصيف التي كانت تشكل جزءا أساسيا من حياتهم، فخلالها يتخلصون من عناء وشقاء العام.
الحجوزات لا تتجاوز 10 بالمئة
الزوج الذي يعمل طوال العام يرغب في الراحة، والزوجة التي تعمل وتتابع دروس أبنائها ترغب في الراحة وأيضا الخلو بزوجها الذي ربما تحول طاحونة العمل دون لقائهما كثيرا. باختصار كان المصيف نافذة تضيء حياة الأسرة المصرية وتجدد حيويتها.
المصيف أيضا مصدر عمل، يدعم الكثير من الصناعات والأنشطة والخدمات، فمعظم أدوات وألعاب البحر تقدمها مصانع البلاستيكيات، كذلك مصانع ملابس البحر والمياه الغازية، وتكاد مقاهي وملاهي المدن الساحلية كالإسكندرية لا تعمل بكامل طاقتها إلا في فترة وجود المصطافين.
شباب الجامعات المصرية سواء في الجنوب أو الشمال الذين انتهوا لتوهم من الامتحانات وبدأت أجازاتهم غالبا ما كانوا يتوجهون للمصايف للعمل في بيع المثلجات والملابس وأدوات البحر والتصوير وغيره.
سألنا أكثر من موظف في المؤسسات والهيئات الحكومية عن السبب وراء التأخر في الإعلان عن حجوزات المصايف، قالوا إن أحدا لم يتحرك في الأمر، فقد صادف توقيت وضع الميزانية الخاصة بالمصيف والسفر للتعاقد على المساكن في المصايف أن قامت ثورة 25 يناير، وأن ما جرى بعدها حال دون السؤال مخافة الوقوع في مساءلة.
وأوضح المحاسب رياض غانم مدير الحسابات بإحدى المؤسسات الحكومية أنه رفض هذا العام وضع ميزانية الدعم الخاصة بمصيف العاملين بالمؤسسة، وقال "تعرف ما يجري من مساءلات بشأن المسائل المادية في المؤسسات، وأن هناك أوامر بتخفيض النفقات، وأن توضع كل الحسابات موضع المراجعة بشكل دائم، بالطبع التقى أعضاء مجلس الإدارة وناقشوا الأمر وجميعهم فضل عدم التورط رغم أن المؤسسة تدعم فقط بنسبة بسيطة لا تتجاوز 30 بالمائة".
عضو مجلس إدارة إحدى المؤسسات الصحفية نظر بدهشة واستغراب، وكأن حاله يقول "هو حد فاضي للمصيف"، وأكد ممدوح خليفة أن أمر المصيف هذا العام لم يتم الترتيب له من أساسه فبعد الثورة تم "طرد رئيس المؤسسة ثم إقالته والتهجم على مدير الحسابات والمطالبة بفتح الملفات، كان هناك ارتباكا طبيعيا أن ننسى المصيف، فليس هناك من هو مستعد للتشكيك في ذمته أو اتهامه بالسرقة".
المواطن المصري العادي سواء كان موظفا أو عاملا يتمنى أن يسافر إلى المصيف ولو ليوم واحد يجدد فيه نشاطه ويبتعد عن زحمة الحياة ومشاكلها، لكن كيف؟
رجب عبد المجيد موظف بإحدى شركات الكهرباء أكد أن أولاده وزوجته يضغطون عليه صباح مساء لكنه لا يستطيع أن يأخذهم على نفقته كاملة، قائلا "كانت الشركة تتحمل الكثير من تكاليف المصيف، فضلا عن أنها توفر لنا إقامة آمنة في سكن آمن وتنقلنا في أتوبيسات مكيفة ذهابا وعودة، أي أنك لا تحمل هم الانتقال والحقائب وعجل الأولاد وغير ذلك، لذا قررت أن يكون هذا العام دون مصيف وليحدث ما يحدث".
المصيف كأنه سقط من الذاكرة
ويرى السيد محمود أنه إذا كانت المدن ـ يعيش بالقاهرة ـ غير آمنة والبلطجية والسرقة تجتاح الشوارع هل سيكون المصيف آمن؟ "اسكندرية الآن غير آمنة وكذلك شرم الشيخ وسيناء والعريش وحتى جمصة وبلطيم، أين تذهب؟ كيف تستطيع أن تحمي أسرتك ونفسك وأغراضك، مصايف البسطاء عادة لا يكون فيها أمن، يحرسها أهل المكان مثل جمصة وبلطيم، فإذا كان أهل المصايف اليوم مهددين فما بالك بنا نحن الضيوف، وبعدين يا سيدي بلاها مصيف هذه السنة".
لكن جمال عبد الرزق ـ تاجر خردوات- رأى أن الأمن قد يكون موجودا لكن الغلاء جعل الأسرة تعيد حساباتها، "لا تنسى أننا خرجنا للتو من المدارس والدروس الخصوصية ونهب المدرسين، أضف لذلك أن الأسعار ارتفعت خلال الشهرين الماضيين ارتفاعا جنونيا، لم يعد هناك ما يكفي للاستمرار فكيف نفكر في مصيف أو غيره، عن نفسي أفكر فقط في تأمين أكل وشرب الأسرة".
سماسرة الشقق في المصايف أكدوا أنه حتى الآن الحجوزات لا تشكل 10 في المائة، وقال طارق عبد الجابر من بلطيم "في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان المصيف يزدحم بالمصطافين، ليسوا كثيرين كشهر يوليو وأغسطس، لكن كان هناك مصطافين، هذا العام لا أحد حتى الآن، لا حجوزات، موبايلي الذي كان لا يتوقف عن الرنين للحجز لا يعبره أحد هذا العام".
يعني هذا بالنسبة لطارق أن المصيف هذا العام "محروق"، وأضاف "المشكلة أن المصيف بالنسبة لأهالي كفر الشيخ والمنصورة ودمياط موسم ينتظرونه من العام للعام، ودخله يسهم في زواج الأبناء وتسديد الديون ومصاريف المدارس وغير ذلك من شؤون الحياة، الأمر الذي سوف يشكل أزمة كبيرة لكثير من الأسر والطلاب وحتى التجار".
الحاج أبو وليد سمسار بمنطقة العجمي بالإسكندرية يرى أن الاسكندرية الأكثر تأذيا هذا العام وأكد أن سعر الشقة وصل إلى 50 جنيها ومع ذلك ليس هناك زبائن، في حين العام الماضي وصل إيجار الشقة في اليوم 200 جنيها وكانت الدنيا زحام، وقال "هذا خطر لأن الكثيرين من العاطلين والطلاب والبسطاء يعملون ويترزقون من وراء المصطافين".
وأكد أبو وليد أن حالة الانفلات الأمنى هي السبب الرئيسي في غياب المصطافين "أنا لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد وجود الأمن، لأن ما أراه وأسمعه عن انتشار البلطجة والحرامية يدعو للخوف والقلق".
ابست اون
هذا العام لا شيء من هذا القبيل وحين تبادر بالسؤال عن المصيف سواء داخل أماكن العمل أو في الأندية أو حتى في الجلسات الأسرية العادية، تتراءى لك في الوجوه علامات الدهشة والاستفهام والاستنكار، كأنه سقط من الذاكرة، كأنه صار شيئا منكرا، كأن حالهم يقول "احنا في ايه ولا إيه"، في إشارة إلى ما يجري في مصر.
في ظل هموم المستقبل بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وما يجري في الواقع من حالات الانفلات الأمني وارتفاع الأسعار وتخوف من نقص السلع الغذائية الأساسية، يبدو أن المصريين نسوا أو يحاولون نسيان إجازة المصيف التي كانت تشكل جزءا أساسيا من حياتهم، فخلالها يتخلصون من عناء وشقاء العام.
الحجوزات لا تتجاوز 10 بالمئة
الزوج الذي يعمل طوال العام يرغب في الراحة، والزوجة التي تعمل وتتابع دروس أبنائها ترغب في الراحة وأيضا الخلو بزوجها الذي ربما تحول طاحونة العمل دون لقائهما كثيرا. باختصار كان المصيف نافذة تضيء حياة الأسرة المصرية وتجدد حيويتها.
المصيف أيضا مصدر عمل، يدعم الكثير من الصناعات والأنشطة والخدمات، فمعظم أدوات وألعاب البحر تقدمها مصانع البلاستيكيات، كذلك مصانع ملابس البحر والمياه الغازية، وتكاد مقاهي وملاهي المدن الساحلية كالإسكندرية لا تعمل بكامل طاقتها إلا في فترة وجود المصطافين.
شباب الجامعات المصرية سواء في الجنوب أو الشمال الذين انتهوا لتوهم من الامتحانات وبدأت أجازاتهم غالبا ما كانوا يتوجهون للمصايف للعمل في بيع المثلجات والملابس وأدوات البحر والتصوير وغيره.
سألنا أكثر من موظف في المؤسسات والهيئات الحكومية عن السبب وراء التأخر في الإعلان عن حجوزات المصايف، قالوا إن أحدا لم يتحرك في الأمر، فقد صادف توقيت وضع الميزانية الخاصة بالمصيف والسفر للتعاقد على المساكن في المصايف أن قامت ثورة 25 يناير، وأن ما جرى بعدها حال دون السؤال مخافة الوقوع في مساءلة.
وأوضح المحاسب رياض غانم مدير الحسابات بإحدى المؤسسات الحكومية أنه رفض هذا العام وضع ميزانية الدعم الخاصة بمصيف العاملين بالمؤسسة، وقال "تعرف ما يجري من مساءلات بشأن المسائل المادية في المؤسسات، وأن هناك أوامر بتخفيض النفقات، وأن توضع كل الحسابات موضع المراجعة بشكل دائم، بالطبع التقى أعضاء مجلس الإدارة وناقشوا الأمر وجميعهم فضل عدم التورط رغم أن المؤسسة تدعم فقط بنسبة بسيطة لا تتجاوز 30 بالمائة".
عضو مجلس إدارة إحدى المؤسسات الصحفية نظر بدهشة واستغراب، وكأن حاله يقول "هو حد فاضي للمصيف"، وأكد ممدوح خليفة أن أمر المصيف هذا العام لم يتم الترتيب له من أساسه فبعد الثورة تم "طرد رئيس المؤسسة ثم إقالته والتهجم على مدير الحسابات والمطالبة بفتح الملفات، كان هناك ارتباكا طبيعيا أن ننسى المصيف، فليس هناك من هو مستعد للتشكيك في ذمته أو اتهامه بالسرقة".
المواطن المصري العادي سواء كان موظفا أو عاملا يتمنى أن يسافر إلى المصيف ولو ليوم واحد يجدد فيه نشاطه ويبتعد عن زحمة الحياة ومشاكلها، لكن كيف؟
رجب عبد المجيد موظف بإحدى شركات الكهرباء أكد أن أولاده وزوجته يضغطون عليه صباح مساء لكنه لا يستطيع أن يأخذهم على نفقته كاملة، قائلا "كانت الشركة تتحمل الكثير من تكاليف المصيف، فضلا عن أنها توفر لنا إقامة آمنة في سكن آمن وتنقلنا في أتوبيسات مكيفة ذهابا وعودة، أي أنك لا تحمل هم الانتقال والحقائب وعجل الأولاد وغير ذلك، لذا قررت أن يكون هذا العام دون مصيف وليحدث ما يحدث".
المصيف كأنه سقط من الذاكرة
ويرى السيد محمود أنه إذا كانت المدن ـ يعيش بالقاهرة ـ غير آمنة والبلطجية والسرقة تجتاح الشوارع هل سيكون المصيف آمن؟ "اسكندرية الآن غير آمنة وكذلك شرم الشيخ وسيناء والعريش وحتى جمصة وبلطيم، أين تذهب؟ كيف تستطيع أن تحمي أسرتك ونفسك وأغراضك، مصايف البسطاء عادة لا يكون فيها أمن، يحرسها أهل المكان مثل جمصة وبلطيم، فإذا كان أهل المصايف اليوم مهددين فما بالك بنا نحن الضيوف، وبعدين يا سيدي بلاها مصيف هذه السنة".
لكن جمال عبد الرزق ـ تاجر خردوات- رأى أن الأمن قد يكون موجودا لكن الغلاء جعل الأسرة تعيد حساباتها، "لا تنسى أننا خرجنا للتو من المدارس والدروس الخصوصية ونهب المدرسين، أضف لذلك أن الأسعار ارتفعت خلال الشهرين الماضيين ارتفاعا جنونيا، لم يعد هناك ما يكفي للاستمرار فكيف نفكر في مصيف أو غيره، عن نفسي أفكر فقط في تأمين أكل وشرب الأسرة".
سماسرة الشقق في المصايف أكدوا أنه حتى الآن الحجوزات لا تشكل 10 في المائة، وقال طارق عبد الجابر من بلطيم "في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان المصيف يزدحم بالمصطافين، ليسوا كثيرين كشهر يوليو وأغسطس، لكن كان هناك مصطافين، هذا العام لا أحد حتى الآن، لا حجوزات، موبايلي الذي كان لا يتوقف عن الرنين للحجز لا يعبره أحد هذا العام".
يعني هذا بالنسبة لطارق أن المصيف هذا العام "محروق"، وأضاف "المشكلة أن المصيف بالنسبة لأهالي كفر الشيخ والمنصورة ودمياط موسم ينتظرونه من العام للعام، ودخله يسهم في زواج الأبناء وتسديد الديون ومصاريف المدارس وغير ذلك من شؤون الحياة، الأمر الذي سوف يشكل أزمة كبيرة لكثير من الأسر والطلاب وحتى التجار".
الحاج أبو وليد سمسار بمنطقة العجمي بالإسكندرية يرى أن الاسكندرية الأكثر تأذيا هذا العام وأكد أن سعر الشقة وصل إلى 50 جنيها ومع ذلك ليس هناك زبائن، في حين العام الماضي وصل إيجار الشقة في اليوم 200 جنيها وكانت الدنيا زحام، وقال "هذا خطر لأن الكثيرين من العاطلين والطلاب والبسطاء يعملون ويترزقون من وراء المصطافين".
وأكد أبو وليد أن حالة الانفلات الأمنى هي السبب الرئيسي في غياب المصطافين "أنا لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد وجود الأمن، لأن ما أراه وأسمعه عن انتشار البلطجة والحرامية يدعو للخوف والقلق".
ابست اون