المشهد أقسي من أن يوصف.. طفلة في مقتبل العمر كتب لها القدر نهاية مأساوية علي يد شخص مازال مجهولا.. عثرت عليها شقيقتها الطفلة معلقة من رقبتها في ماسورة الغاز بالشقة.
وجسدها معلق بين السماء والأرض ورقبتها المتدلية تترنح يمينا ويسارا ليكتوي قلب كل من شاهدها بالحسرة خاصة الأم المكلومة انتابتها حالة من الهيستريا, بينما انتابت الصغيرة الشاهدة علي الواقعة حالة من الصراخ والبكاء المستمر بعد أن رحلت عنها الرفيقة والحبيبة والأخت الوحيدة.. ومازالت الجريمة التي هزت مشاعر أهالي البساتين بأكملها يكتنفها الكثير من الغموض وأصابع الاتهام العشرة مرفوعة ولكن حتي هذه اللحظة لم تشر إلي أحد بعينه.
في شقة متواضعة في حارة صغيرة بمنطقة البساتين تعيش الطفلة أمل ذات الثانية عشرة ربيعا مع شقيقتها الصغري10سنوات ووالدها نجار المسلح ووالدتها ربة المنزل وإنتهت الصغيرة من امتحانات الصف الثاني الاعدادي وحصلت علي الدرجات النهائية, وقال جيرانها وزميلاتها في الدراسة إنها متفوقة دراسيا ودائما تحتل المركز الأول علي المدرسة وشهد لها الجميع بدماثة الخلق فهي طفلة بريئة ملامحها هادئة دائما هي مثار حب واعجاب كل من حولها وفي منزلها كانت مثالا للطاعة كما يقال علي ألسنة الجيران إنها كانت حقا بنت موت..
البداية بلاغ تلقاه محمد عبدالمنعم رئيس نيابة البساتين عن انتحار طفلة بمنزلها, وانتقل علي الفور إلي مكان البلاغ مصطفي عريس وكيل أول النيابة وشاهد الجريمة المأساوية, طفلة نحيلة معلقة من رقبتها بايشارب خاص بها في ماسورة الغاز الطبيعي بصالة الشقة وإيشارب آخر خاص بوالدتها ملفوف حول رقبتها بطريقة تنم عن غدر وانتقام ورغاوي حول فمها وجسدها يتدلي لأسفل, وبعد فك الايشارب الملفوف حول الرقبة تبين وجود خدوش وجروح تؤكد وجود شبهة جنائية.. وبسؤال أسرة البريئة أكد والدها نجار مسلح إنه توجه لعمله كعادته اليومية صباحا وترك طفلتيه مع والدتهما إلا أن الأم خرجت لشراء بعض طلباتها وتركت طفلتيها بمفردهما في الشقة واستيقظت الطغيرتان وتناولتا طعام الإفطار وصعدت الصغيرة إلي شقة عمها في الطابق الثالث للهو مع بنات عمها وتركت شقيقتها الكبري بمفردها في الشقة وبعد ساعة عادت الصغيرة لتجد شقيقتها معلقة في ماسورة الغاز, وصرخت واستغاثت بأسرة عمها الذين استعانوا بالجيران وانطلقت الصرخات في المنزل القديم وأسرع الجيران بالبحث عن والد القتيلة أو والدتها وبعد عثورهم عليهما تم تحرير محضر بانتحار الصغيرة إلا أن معاينة رجال النيابة العامة ورجال قسم شرطة البساتين والأدلة الجنائية والطب الشرعي توصلت إلي رأي آخر.
كشفت تحقيقات النيابة من أقوال الشهود والجيران أن القتيلة حسنة السمعة ومتفوقة في دراستها وبسؤال والدها أكد أنها انتحرت بدون أسباب رغم أنه ذكر أمام النيابة أن الطفلة متفوقة في دراستها وعلي درجة عالية من الأدب وحسن السلوك, وبسؤاله عن والدتها التي اختفت من يوم الواقعة أكد أنها طريحة الفراش في مستشفي البساتين لاصابتها بحالة من الهيستريا حزنا علي فراق فلذة كبدها, وكذلك طفلته الصغري بعد أن فقدت رفيقتها الوحيدة أصيبت بحالة مستمرة من الصراخ والبكاء خاصة أنها الوحيدة التي اكتشفت الجريمة.
لم تمر تلك الجريمة مرور الكرام علي رجال النيابة العامة ورجال المباحث ورفضت العقول تصديق رواية إنتحار البريئة خاصة ان فرحتها بتفوقها الدراسي لم تنته وكشفت معاينة وكيل أول النيابة عن بعض الدلائل التي تشير ألف مرة إلي وجود شبهة جنائية وراء مقتل البريئة, فالجروح والخدوش حول رقبتها تؤكد قتلها بسلك كهربائي, بالإضافة إلي عدم وجود رغاوي علي الايشارب الملفوف حول رقبتها وتلك الرغاوي تخرج من الفم عقب عملية الخنق مباشرة مما يؤكد أن الجاني قام بخنقها بسلك كهربائي ثم نزع السلك ووضع الايشارب بدلا منه ثم علقها بواسطة ايشارب آخر في ماسورة الغاز. كما كشفت معاينة رئيس مباحث قسم البساتين أن المسافة بين الأرض وماسورة الغاز القريبة من السقف كبيرة جدا وجسد الصغيرة نحيل, بالإضافة إلي أنها قصيرة القوام حتي لو وقفت علي كرسي أو منضدة وفوقهما العديد من الوسائد يستحيل وصولها إلي الماسورة مما يؤكد انها لم تقم بشنق نفسها.. وأضافت معاينة النيابة أن الايشارب المربوط في ماسورة الغاز مربوط بطريقة صعبة ومعقدة يستحيل علي الطفلة أن تقوم بربطه حتي وإن كانت تمتلك قوة جسدية أقوي من جسدها النحيل بكثير.
الشواهد كلها تؤكد وجود شبهة جنائية وراء موت الصغيرة.. ولم تلتفت النيابة لأقوال الأب الذي أكد ان طفلته انتحرت بدون أية أسباب, وقام أطباء الطب الشرعي بتشريح جثة الصغيرة, وأكد التشريح موتها باسفكسيا الخنق, وقام خبراء المعمل الجنائي برفع البصمات من علي جسد الصغيرة خاصة وجهها ورقبتها.. والأيام القليلة المقبلة سوف تكشف غموض الجريمة المروعة!!