"عمانوئيل الذي تفسيره "الله معنا" (مت 1: 21- 23). لقد كان إعلان الله في أيام آحاز الملك الشرير علي فم أشعياء النبي أن الله نفسه يعطي آية لخلاص الشعب المحاصر عند قناة البركة (أش 7). وهذه الآية أن العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو إسمه "عمانوئيل" الذي تفسيره الله معنا. ومن الجائز أن أشعياء نفسه لم يدرك الأبعاد العميقة لرسالته تلك في ذلك الوقت. ولكننا نجد هنا، وبعد أكثر من سبعة قرون تحقيق هذا المعني بكل أبعاده في ميلاد الطفل يسوع، الذي كان بحق دخول الله إلي عالمنا. نجد هنا إلتماس السماء بالأرض، دخول اللانهائي الأبدي إلي فنائنا ومحدوديتنا، ليعلن بحق أن الله معنا. ومنذ اللحظة الأولي لدخول الله إلي عالمنا في يسوع المسيح نجد تعهد الله لمعاناتنا وآلامنا، وحمله لقضيتنا ووجودنا الإنساني البائس. وذلك من خلال الطريقة التي أعدها الله للدخول إلي عالمنا. [b] لقد صار الميلاد لنا يمثل مجموعة منتقاة من الترانيم الجميلة مع مشاعر السلام والراحة، ولكننا عندما نرجع إلي القصة الكتابية نجد واقعاً مختلفاً. لقد دخل الله في المسيح يسوع عالمنا متواضعاً متحداً مع ضعفنا واحتياجاتنا. ويجب أن نلاحظ هنا أنه لم يستخدم أي كاتب يوناني آخر قبل المسيح كلمة "التواضع" كنوع من الإطراء والمديح. ولكن بالرغم من هذا فإن قصة الميلاد كلها تشير إلي الإله المتواضع. الإله الذي جاء إلي العالم ليس وسط زوابع عاصفة أو نار آكلة. أنه أمر لا يمكن تصوره، فهذا الإله العظيم خالق وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، يتواضع ويتنازل عن مجده حتي يصير إلي جنين في رحم فتاة يهودية مراهقة. أو كما يقول الرسول بولس عنه أنه "أخلي نفسه..". [b] هذا امر لا يستطيع العالم أن يفهمه، فالكل يتكلم بلغة الإفتخار والتعظيم. ونحن أيضا نعظم الأقوياء، الأغنياء، المتفوقين والناجحين. عظماء العالم وقادته يتفاخر كل واحد منهم بقوته وجبروته. ومن الجائز جدا أن هذا ما كان في ذهن اليهود عندما كانوا يسمعون الوعد بمجيء المسيا في وقت أشعياء النبي. كانت قلوبهم تمتلئ بالحنين إلي مجد المملكة اليهودية في عصر داود وسليمان الذي جعل الفضة شيئا يساوي في استخدامه الأحجار. أما المسيح الذي ظهر، فقد كان يرتدي نوعاً آخراً من المجد، أنه مجد التواضع. فالهتاف بعظمة الله حقيقة لا تحتاج إلي أي كائن فوق طبيعي أن يعلمها للناس. ولكن أن يكون الله صغيرا، وإلي هذا الحد، فتلك هي الحقيقة التي علمها يسوع للإنسان. الله الجبار الذي يزأر ويأمر الجيوش، هذا الإله ظهر في أورشليم في صورة طفل، معتمدا علي فتاة صغيرة لتاويه وتطعمه وترعاه. في الوقت الذي يتباهي كل منا بما لديه وما يمتلكه، حدثت زيارة الله للأرض في مذود للبقر، دون أي خدم، ولم يجدوا مكاناً لهذا المولود داخل البيت. إن هذا الحدث العظيم الذي شطر العالم إلي نصفين شهدته الحيوانات قبل الإنسان. لقد منحت هذه الهدية العظيمة للعالم في سكون عظيم. أحتفل الملائكة في السماء بهذا المولود العظيم، ولكن من شارك الملائكة هذا الإحتفال العظيم؟؟ مجموعة صغيرة من الرعاة الغير متعلمين. يرعون رعية ليست ملكهم. كان هؤلاء في نظر المجتمع اليهودي مرفوضين يعيشون خارج المحلة. في ميلاد المسيح اجد أن الله معنا في فقرنا ويأسنا ومعاناتنا. لأن هذه هي الطريقة التي جاء بها الله إلي عالمنا. أجد الله الذي يتوحد بالمرضي والجياع والعطاش والغرباء والعريانين والمحبوسين. بحيث تصبح مساعدتنا لهؤلاء هي عمل عبادة لله. ويكون إكرام هؤلاء هو إكرام للمسيح نفسه (مت 25: 31- 39). [] كثيرا ما نتصور مشهد تلقي مريم العذراء أنباء الإعلان الإلهي بالحمل المعجزي بشكل مليء بالسلام والراحة. ولكن لم يخبرنا البشير لوقا بذلك، فلقد شعرت بنوع من الضيق والخوف عند رؤيتها الملاك، وعندما نطق الملاك بالكلمات الإلهية أنه "ابن العلي يُدعي ولا يكون لملكه نهاية" كان يدور في تفكيرها أمرٌ آخرٌ: "كيف يكون هذا وأنا لم أعرف رجلاً؟!!". لقد رتب الله أقسي ظروف الإذلال الممكنة لمجيئه. فلقد كانت مريم تعيش في مجتمع يهودي محافظ في القرن الأول، والناموس يعتبر أن الفتاة المخطوبة التي تحمل هي زانية ومعرضة للرجم. ويُخبرنا البشير متي أن يوسف خطيبها أراد ان يتركها سرا. إلي أن جاء الملاك وصحح له أفكاره الخاطئة عن مريم. كما يخبرنا البشير لوقا أن مريم أسرعت إلي أليصابات، والتي يمكنها وحدها أن تفهم طبيعة ما حدث لها، لأنها هي الأخري قد حملت بطريقة معجزية في هذه السن المتأخرة. ولقد صدقت أليصابات مريم وشاركتها فرحتها. ولكن كان هناك فرق كبير بين الإمرأتين. فكل البلد سوف تحكي وبفرح أن الرب قد نزع عار أليصابات، أما مريم فقد كانت تحاول أن تخفي عار هذه المعجزة. وبعد شهور قليلة يولد "يوحنا المعمدان" وسط أفراح أهل القرية، الذين رحبوا محتفلين بالمولود الجديد. وبعد ستة شهور ولد يسوع بعيدا عن المنزل، في ظلام الخوف من الخزي والعار، في برودة الشعور بالرفض والوحدة. [b] لقد كان مجيء الله إلي عالمنا في يسوع المسيح متحدا معنا في أقصي شعور من الممكن أن نجتاز به من الخزي والعار والخوف من الآخرين. عندما نحاول بشدة أن نحمي أنفسنا ولا نفضح، عندما يكون كل تركيزنا أن نحاول بشدة لكي نبدو علي مايرام وعلي شكلنا ومظهرنا من الخارج، عندما نحاول بقوة أن نخدر ونسيطر علي مشاعرنا بسبب خوفنا من الشعور بالعار والرفض. عندما نختبئ بعيدا داخل كياننا الداخلي ونبني من حولنا آلاف الأسوار التي تحمينا من رؤية الناس لحقيقتنا. عندما نهرب من ماضينا أو حاضرنا ولا نقوي علي مواجهته. يالها من خبرة مليئة بالنعمة، عندما أجئ إلي الطفل يسوع فأجد الله يتحد معي في قلب هذه الظلمة المريرة، عندما أكتشف إدراك الله لما يحدث في حياتي ووجوده معي في عمق عاري. هنا، وهنا فقط أستطيع أقبل كلمات الرب لي: "لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين. فإنك تنسين خزي صباك وعار ترملك لا تزكرينه" (أش 54: 4). [b]- أخيرا دخل إلي عالمنا متحداً مع معاناتنا وآلامنا: لقد أعلن اله من خلال النبي أشعياء تضامن الله معنا في معاناتنا وآلامنا في المسيح: "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها". ويبدو أن حياة المسيح منذ اللحظة الأولي كانت أعظم إعلان عن هذا التضامن. فقصة الميلاد تعلن بوضوح أنه، وإن كان العالم ينجذب نحو الأغنياء ويحترمهم، فإن الله يقدر المظلومين والمتألمين والمهمشين. وهكذا ترنمت مريم "أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتضعين، أشبع الجياع، وصرف الأغنياء فارغين". ففي قصة الميلاد نجد عذراء تتألم في وسط بلد مُحتل بعد عنف حرب أهلية تحت بطش قوة أجنبية. يعاني ولدها من تهديد القتل، حيث وجده الملك أنه تهديد لإستقرار ملكه. ولذلك فإنها تهرب إلي مصر في يأس. وهي مملوءة من الشعور بالغربة، إذ تسعي للاختباء من حكومة هيرودس. إننا نجد قصة مجيء إلهنا إلي عالمنا في قرينة من الألم والمعاناة. كيف تكون حالة طفل صغير مهدد بالقتل، كيف تكون مشاعر أسرة في نوع من اللجوء السياسي بحثا عن الأمن في دولة غريبة. لذلك ففي الميلاد نجد نجد الله معنا حتي عندما تصبح حياتنا مثل الجحيم. لقد كتب المرنم "إن صعدت إلي السموات فأنت هناك وإن فرشت في الهاوية فها أنت" (مز139: . والهاوية في الفكر اليهودي هي المكان الذي لا يمكن أن يوجد فيه الله. ولكن يعلن المرنم هنا أنه في الرحلة التي نسير فيه لا يوجد مكان لا يستطيع الله أن يصل إلينا فيه. لا يوجد مكان يمكن أن يهجرنا الله فيه. مهما كنا في آلام أو يأس فإن الله معنا. أحبائي، كان ميلاد المسيح أعظم إعلان عن أن الله معنا. وعندما ندرك هذا الإعلان نستطيع أن نستكمل مسيرتنا حتي إذا صارت حياتنا كالهاوية أو الجحيم. فإن كان الله معنا فنحن نستطيع أن نتمسك ونتشبث به حتي في الأوقات التي نشعر فيها بإنعدام الإستقرار والخوف الشديد. نجده يقدر مخاوفنا في قلب خزينا ووحدتنا. أمين. [/b][/b][/b] [/b][/b][/b] [/b][/b] بقلم: القس ديفيد مجدي/ راعي الكنيسة الإنجيلية بالغردقة |
عمانوئيل الذى تفسيره الله معنااااااا
anasemon- Admin
- المساهمات : 1992
التسجيل : 27/09/2009
- مساهمة رقم 1