في ظل الظروف الراهنة التي نعيشها من عالم مليء بالأزمات والضيق والألم والخوف والاضطرابات، في عالم نشعر به بأننا محاطين بليل مظلم ومُخيف وأزمة لا نجد لها حلاً او مخرجاً، هل من المعقول أن نترك ونهرب إلى اللامجهول.
لقد قال المسيح للجموع التي كانت تتبعه بإستمرار "لا تَخَفْ أيَّها القَطيعُ الصَّغيرُ! فأبوكُمُ السماوي شاء أن يُنعِمَ عليكم بالملكوت."، فممن نخاف؟ لقد سبق أن أنذرنا يسوع المسيح بصريح الكلام بالمضايق التي ستلحق بنا قائلاً" إذا أبغضكم العالم، فأعلموا أنه أبغضني قبلكم، فلو كنتم من العالم لأحبَّ العالم ماهو له، ولكن لأنكم لستم من العالم، لذلك يبغضكم العالم. أذكروا الكلام الذي قلته لكم: ليس العبد أعظم من سيده فإذا كانوا قد أضطهدوني فسيضطهدونكم أنتم أيضاً، وإذا كانوا حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم أيضاً. كل هذا سيفعلونه بكم من أجل إسمي لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني." (يوحنا 15: 18-21). وفصَّل لنا أنواع الأضطهادات قائلاً لنا: "أحذروا من الناس، فإنهم سيسلمونكم إلى مجالس القضاء، ويجلدونكم في مجامعهم، وتُساقون إلى الولاة والملوك من أجلي، شهادةً لهم وللأمم... وسيبغضكم الجميع من أجل إسمي" (متى 10: 17-18). "بل ستأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقرّب لله قرباناً" (يوحنا 16: 2).
من أعماق النكبة وغمرة الألم، وظلمة الذهن وضياع الرجاء، من جبرة الوجود، وإنغلاق الأفاق، وفقدان الحاضر وذوبان المستقبل، من تثاقل الوحشة، وإنسداد الدروب، وغياب المودة وحرمان الحب، ومن عمق حفرة الحياة التاعسة البائسة صرخ النبي أيوب إلى ربه. رجلُ أوجاع اتهمه أقرب الناس إليه بأنه هو في عصيانه سبب محنته، وحرّضه بعض ذويه على التمرد. ولكن أيوب، وإن قصر عقله عن فهم ما حل به، لم يمل إلى العصيان والتمرد، بل توجه إلى من بيده مقادير الكون وصرخ إلى ربه. شكا وجعه. وطرح السؤال بعد السؤال على العالم وعلى الله: لماذا؟
وأجابه الله. عن سؤاله وشكواه بسؤال يمهّد السبيل للوعي والإدراك: "أينَ كنتَ حين أُسِّستُ الأرض؟" (أيوب 38: 4). وهنا أقول يجوز لنا أن نطرح الأسئلة ونعبّر عن الظلمة التي تكتنف عقلنا إزاء الألم وانواع الوجع في حياتنا وفي العالم، وإزاء أوجاع الأبرياء وآلام الخطأة. يجوز لنا ان نشير إلى ضيقنا. ونصرخ إلى الله في فاقتنا. ولكن لا يجوز لنا أن نُخضع الله لمعاييرنا البشريّة. لا، لا يجوز لنا أن ننصب أنفسنا مكان الله ونحاسبه. فإنّنا لا طاقة لنا في صغرنا على ذلك. عقلنا يلفّه الغموض، وبصيرتنا تغشاها الجهالة، وقلبنا تغلّفه الظلمة، وحياتنا تثقلها الخطيئة.
نحن موضعنا خاص بنا، موضعنا مكانة الإنسان. يجوز لنا أن نشكو إلى الله ألمنا والأذى الذي يلحق بنا، ملتمسين منه أن يساعدنا على أن نفهم شيئاً ممّا يصيبنا، وان يعيننا على إحتمال مصائبنا، وأن ينعش في قلوبنا جّذوة الرجاء. يجوز لنا كلُّ هذا. ولكن لا يجوز لنا أن نتمرد على الله، ونشكو ونتظلم من الله ونحاول أن نحكم عليه. يجوز لنا أن نقول له، في خلوة قلبنا وأمام الناس، إننا لا نفهم ولا نستطيع أن نغيّر مصائبنا. ولكن لا يجوز لنا أن ننصب أنفسنا بدلاً عن الله.
حين هبت العاصفة على تلاميذ يسوع، وهو معهم في السفينة، أيقظوه من نومه وقالوا له: "يا معلّم أما يَهُمك أننا نهلك!" (مرقس 38). فبعد أن سكّن يسوع الريح قال لهم: "لِمَ خوفكم هذا؟ أحتى الأن لا إيمان لكن؟" (مرقس 4: 40). "ألا يهمك أننا نهلك؟" بل يهمه كثيراً وبإلحاح ولكنه يتصرف على طريقته هو، علة طريقته التي تفوق فهمنا. علمه غير علمنا، وحكمته غير حكمتنا. فلا شيء أفضل لنا من أن نثق برحمته وحبه، ولو أصابنا الوجع، ولو لم نفهم ما يحدث.
وهكذا، نمر نحن أيضاً بمواقف وأزمات تبدوا بلا حل، ونجد أنفسنا في مأزق يُعدّ، من الناحية البشريَّة، طريقاً مسدوداً لا أمل للخروج منه. والكثير منّا، إن لم يكن جميعنا، أختبر مثل هذا الموقف. يظلّ الإنسان يتخبّط في مشكلته، محاولاً إيجاد حلّ لها بنور عقله ومهارة تفكيره، ولكنّه لا يتوصَّل إلى أي حل ينقذه. فما دام يحاول بعلمه وبإمكانيَّاته البشريَّة، فإنه لا يجد أي مخرج، ويظلّ في الطريق المسدود، فاقداً كل أمل بشريّ. وفي هذا الوقت الذي تعجز فيه الإمكانيَّات البشريَّة، يتدخّل الله ويباشر عمله، بعد أن توقفت ساعة الإنسان عن كل عمل.
وهذا هو مفهوم قضيَّة الإيمان، الذي يقوم على التمسّك بالله والأستسلام له، حين تعجز قوانا ويعجز كل من حولنا وتفشل كل إمكانيّات البشرية في إيجاد مخرج يُنقذنا من طريقنا المسدود ويقدِّم الحل لمشكلتنا التي لا حل لها بشرياً. في هذه اللحظة يلجأ الإنسان إلى الله ويستغيث بصرخة الإيمان وبنداء الرجاء، لأن الله أقوى من الظروف ومن يأس الأحداث. لله الكلمة الأخيرة والنهائيَّة في كل موقف حرج وطريق مسدود. إنّه الأيمان بأن الأرض وملأها هي للرب خالقها ومدبرها، وهو يفيض عليها بيمينه وحكمته، ويدير حلقات تاريخها مع الإنسان وخلف الإنسان وعبر الإنسان...
فإذاً "لا تَخَفْ أيَّها القَطيعُ الصَّغيرُ! فأبوكُمُ السماوي شاء أن يُنعِمَ عليكم بالملكوت." إن الله قريب وهو يسمعنا حين ندعوه، وليست صلاتنا صرخة في بطن واد، أو نداءً في صحراء، بل الله يسمع كل همس نددعوه به. وبهذا الإيمان لا تكون صلاتنا مجرد صرخة ألم وأنين، بل نداء ثقة ويقين، صادر بهدوء وإطمئنان.
فإن كان الأمل البشري قد إختفى، فإن الرجاء المسيحي باق، فإذاً أنا لست وحدي لأن الله معي، وهو يسندني ويحل مشاكلي ومصيري وأوجاعي.
لقد قال المسيح للجموع التي كانت تتبعه بإستمرار "لا تَخَفْ أيَّها القَطيعُ الصَّغيرُ! فأبوكُمُ السماوي شاء أن يُنعِمَ عليكم بالملكوت."، فممن نخاف؟ لقد سبق أن أنذرنا يسوع المسيح بصريح الكلام بالمضايق التي ستلحق بنا قائلاً" إذا أبغضكم العالم، فأعلموا أنه أبغضني قبلكم، فلو كنتم من العالم لأحبَّ العالم ماهو له، ولكن لأنكم لستم من العالم، لذلك يبغضكم العالم. أذكروا الكلام الذي قلته لكم: ليس العبد أعظم من سيده فإذا كانوا قد أضطهدوني فسيضطهدونكم أنتم أيضاً، وإذا كانوا حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم أيضاً. كل هذا سيفعلونه بكم من أجل إسمي لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني." (يوحنا 15: 18-21). وفصَّل لنا أنواع الأضطهادات قائلاً لنا: "أحذروا من الناس، فإنهم سيسلمونكم إلى مجالس القضاء، ويجلدونكم في مجامعهم، وتُساقون إلى الولاة والملوك من أجلي، شهادةً لهم وللأمم... وسيبغضكم الجميع من أجل إسمي" (متى 10: 17-18). "بل ستأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقرّب لله قرباناً" (يوحنا 16: 2).
من أعماق النكبة وغمرة الألم، وظلمة الذهن وضياع الرجاء، من جبرة الوجود، وإنغلاق الأفاق، وفقدان الحاضر وذوبان المستقبل، من تثاقل الوحشة، وإنسداد الدروب، وغياب المودة وحرمان الحب، ومن عمق حفرة الحياة التاعسة البائسة صرخ النبي أيوب إلى ربه. رجلُ أوجاع اتهمه أقرب الناس إليه بأنه هو في عصيانه سبب محنته، وحرّضه بعض ذويه على التمرد. ولكن أيوب، وإن قصر عقله عن فهم ما حل به، لم يمل إلى العصيان والتمرد، بل توجه إلى من بيده مقادير الكون وصرخ إلى ربه. شكا وجعه. وطرح السؤال بعد السؤال على العالم وعلى الله: لماذا؟
وأجابه الله. عن سؤاله وشكواه بسؤال يمهّد السبيل للوعي والإدراك: "أينَ كنتَ حين أُسِّستُ الأرض؟" (أيوب 38: 4). وهنا أقول يجوز لنا أن نطرح الأسئلة ونعبّر عن الظلمة التي تكتنف عقلنا إزاء الألم وانواع الوجع في حياتنا وفي العالم، وإزاء أوجاع الأبرياء وآلام الخطأة. يجوز لنا ان نشير إلى ضيقنا. ونصرخ إلى الله في فاقتنا. ولكن لا يجوز لنا أن نُخضع الله لمعاييرنا البشريّة. لا، لا يجوز لنا أن ننصب أنفسنا مكان الله ونحاسبه. فإنّنا لا طاقة لنا في صغرنا على ذلك. عقلنا يلفّه الغموض، وبصيرتنا تغشاها الجهالة، وقلبنا تغلّفه الظلمة، وحياتنا تثقلها الخطيئة.
نحن موضعنا خاص بنا، موضعنا مكانة الإنسان. يجوز لنا أن نشكو إلى الله ألمنا والأذى الذي يلحق بنا، ملتمسين منه أن يساعدنا على أن نفهم شيئاً ممّا يصيبنا، وان يعيننا على إحتمال مصائبنا، وأن ينعش في قلوبنا جّذوة الرجاء. يجوز لنا كلُّ هذا. ولكن لا يجوز لنا أن نتمرد على الله، ونشكو ونتظلم من الله ونحاول أن نحكم عليه. يجوز لنا أن نقول له، في خلوة قلبنا وأمام الناس، إننا لا نفهم ولا نستطيع أن نغيّر مصائبنا. ولكن لا يجوز لنا أن ننصب أنفسنا بدلاً عن الله.
حين هبت العاصفة على تلاميذ يسوع، وهو معهم في السفينة، أيقظوه من نومه وقالوا له: "يا معلّم أما يَهُمك أننا نهلك!" (مرقس 38). فبعد أن سكّن يسوع الريح قال لهم: "لِمَ خوفكم هذا؟ أحتى الأن لا إيمان لكن؟" (مرقس 4: 40). "ألا يهمك أننا نهلك؟" بل يهمه كثيراً وبإلحاح ولكنه يتصرف على طريقته هو، علة طريقته التي تفوق فهمنا. علمه غير علمنا، وحكمته غير حكمتنا. فلا شيء أفضل لنا من أن نثق برحمته وحبه، ولو أصابنا الوجع، ولو لم نفهم ما يحدث.
وهكذا، نمر نحن أيضاً بمواقف وأزمات تبدوا بلا حل، ونجد أنفسنا في مأزق يُعدّ، من الناحية البشريَّة، طريقاً مسدوداً لا أمل للخروج منه. والكثير منّا، إن لم يكن جميعنا، أختبر مثل هذا الموقف. يظلّ الإنسان يتخبّط في مشكلته، محاولاً إيجاد حلّ لها بنور عقله ومهارة تفكيره، ولكنّه لا يتوصَّل إلى أي حل ينقذه. فما دام يحاول بعلمه وبإمكانيَّاته البشريَّة، فإنه لا يجد أي مخرج، ويظلّ في الطريق المسدود، فاقداً كل أمل بشريّ. وفي هذا الوقت الذي تعجز فيه الإمكانيَّات البشريَّة، يتدخّل الله ويباشر عمله، بعد أن توقفت ساعة الإنسان عن كل عمل.
وهذا هو مفهوم قضيَّة الإيمان، الذي يقوم على التمسّك بالله والأستسلام له، حين تعجز قوانا ويعجز كل من حولنا وتفشل كل إمكانيّات البشرية في إيجاد مخرج يُنقذنا من طريقنا المسدود ويقدِّم الحل لمشكلتنا التي لا حل لها بشرياً. في هذه اللحظة يلجأ الإنسان إلى الله ويستغيث بصرخة الإيمان وبنداء الرجاء، لأن الله أقوى من الظروف ومن يأس الأحداث. لله الكلمة الأخيرة والنهائيَّة في كل موقف حرج وطريق مسدود. إنّه الأيمان بأن الأرض وملأها هي للرب خالقها ومدبرها، وهو يفيض عليها بيمينه وحكمته، ويدير حلقات تاريخها مع الإنسان وخلف الإنسان وعبر الإنسان...
فإذاً "لا تَخَفْ أيَّها القَطيعُ الصَّغيرُ! فأبوكُمُ السماوي شاء أن يُنعِمَ عليكم بالملكوت." إن الله قريب وهو يسمعنا حين ندعوه، وليست صلاتنا صرخة في بطن واد، أو نداءً في صحراء، بل الله يسمع كل همس نددعوه به. وبهذا الإيمان لا تكون صلاتنا مجرد صرخة ألم وأنين، بل نداء ثقة ويقين، صادر بهدوء وإطمئنان.
فإن كان الأمل البشري قد إختفى، فإن الرجاء المسيحي باق، فإذاً أنا لست وحدي لأن الله معي، وهو يسندني ويحل مشاكلي ومصيري وأوجاعي.
إ
إني أدعوك يا رب، فأستمع لي
ني أتضرَّع إليك، فأنصت إليَّإني أصرخ إليك، فأستجب لي